رغم هذا العطاء الكبير، لم يحظ محمد زافوا بالاهتمام الإعلامي الذي يوازي مكانته، بل ظل غائبًا عن شاشات التلفزيون، مهمشًا من طرف القنوات والمهرجانات، وكأن الفن الأصيل لا مكان له في زمن الأضواء الموجهة. لكن جمهوره الحقيقي لم يخذله، ظل يحمل كلماته ويتغنى بأشعاره، يحفظها ويتناقلها كما تتناقل الأمثال الشعبية، لأن فيها الصدق، والروح، والذاكرة الجماعية.
وقد صرّح محمد زافوا في حوار له مع موقع “مواطن نيوز” أنه اضطر للانقطاع عن الساحة الفنية لمدة عشر سنوات كاملة، وذلك لأسباب شخصية خاصة به، قبل أن يعود مجددًا بروح متجددة وشغف أكبر. هذه العودة لم تكن عادية، بل كانت عودة فنان لم يفقد بوصلته، بل استعادها بقوة وثقة، ليستأنف مسيرته الفنية التي لم تنقطع يومًا عن قلوب محبيه.
من المحطات التي تُخلّد في مسيرة محمد زافوا، تلك الحوارات الراقية التي جمعته مع الفنان وكاتب الكلمات المعروف الحسين أولاون، وهو الآخر من الأسماء التي أبدعت كثيرًا في الساحة الأمازيغية. كانت اللقاءات بينهما مليئة بالاحترام المتبادل والفكر الراقي، حيث يلتقي الشعر مع الكلمة الموزونة، والفن مع الأخلاق. لم تكن مجرد حوارات عادية، بل كانت دروسًا في الذوق والرقي والوعي، تعكس روحًا فنية نقية، وسلوكًا إنسانيًا عاليًا قلّ مثيله في زمن الفن الاستهلاكي.
إن الحديث عن محمد زافوا ليس مجرد استذكار لفنان مهمّش، بل هو دعوة لإعادة الاعتبار لأسماء حقيقية أعطت الكثير وبقيت في الظل، فنانين لا يبحثون عن تصفيق لحظي، بل عن أثر يبقى، وصوت لا يموت. محمد زافوا لم يكن نجمًا إعلاميًا، لكنه كان نجمًا في سماء الكلمة، واسمًا محفورًا في وجدان من عرفوه وتذوقوا فنه. وإذا كان الإعلام قد تجاهله، فإن الذاكرة الأمازيغية الأصيلة لن تنساه أبدًا.