مواطن نيوز//
صباحٌ آخر في ضواحي سبت الكردان بإقليم تارودانت، لكنه هذه المرة يحمل في طياته رائحة الموت والغموض. بينما كانت أنفاس المنطقة ما تزال تلهث تحت وطأة فاجعة سير أودت بحياة خمس عاملات فلاحيات قبل أيام ، تفاجأ سكان جماعة مشرع العين بجثة شابٍ ملقاة على قارعة الطريق الوطنية رقم 10، لتضيف حلقة جديدة إلى سلسلة المآسي التي تهز هذا الإقليم المغربي الذي يئن تحت ثقل الإهمال التنموي.
لم تكن الجثة المجهولة سوى الفصل الأحدث في مسلسل الموت الذي يطارده سكان المنطقة. ففي ظروفٍ غامضة، عثر سكان جماعة مشرع العين على جثة الشاب الذي يُرجح أنه كان يعاني من اضطرابات عقلية وفق المعطيات الأولية . المشهد أعاد إلى الأذهان جثتي فتاة وشاب عُثر عليهما قبل فترة في منزل مهجور بنفس المنطقة، إحداهما مختنقة والآخر مصاب بطعنات قاتلة . لم تمض سوى أيام على حادث السير المروع الذي هز الضواحي عندما انفجرت إحدى عجلات سيارة “بيكوب” كانت تقل 14 عاملة فلاحية، ما أسفر عن سقوط خمس قتيلات وإصابة عشرات آخرين . وكأن المنطقة تحولت إلى مسرحٍ للمآسي المتكررة التي تفتقد لأبسط أشكال الوقاية والحماية.
تحركت السلطات الأمنية بسرعة فور تلقي البلاغ، حيث انتقلت فرق الدرك الملكي والسلطات المحلية إلى موقع الجريمة، وشرعت في تطويق المكان وبدء التحقيقات الأولية لسبر أغوار هذه الجريمة الغامضة. الجثة نقلت إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي في تارودانت بناءً على تعليمات النيابة العامة المختصة، حيث ستخضع لتشريح طبي ينتظره الجميع بفارغ الصبر، آملاً في كشف غموض ظروف الوفاة . لكن هذا الحادث لم يكن سوى حلقة في سلسلة الأزمات التي تعصف بالمنطقة، حيث تتوالى الحوادث المميتة في مشهدٍ يكرس مشاعر الخوف والقلق بين السكان، ويثير تساؤلاتٍ كبيرة حول غياب الرعاية اللازمة للفئات الهشة، خاصة ذوي الاضطرابات النفسية والعقلية.
خلف هذه الأحداث المتلاحقة، تبرز معضلةٌ تنموية عميقة الجذور في سبت الكردان والمناطق المحيطة بها. فبالرغم من تاريخها العريق في الإنتاج الزراعي، خاصة الحوامض والبواكر، تعاني المنطقة من “تأخر كبير في مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية” كما تصفها التقارير المحلية . البنية التحتية المهترئة، وشح المياه الذي يهدد السكان صيفاً، وغياب الاستثمارات الصناعية البديلة، كلها عوامل تزيد من معاناة السكان الذين يعتمد معظمهم على العمل الفلاحي المتذبذب . حتى المشاريع المعلنة مثل الحي الصناعي المزمع إحداثه في المنطقة لا تزال حبراً على ورق في ظل غياب الجدية التنفيذية .
وسط هذا المشهد القاتم، تتعالى أصوات المطالبة بحماية الأشخاص في وضعية الهشاشة وتوفير الرعاية اللازمة لذوي الاضطرابات النفسية. ففي منطقة تفتقر لأبسط الخدمات الصحية والنفسية، تتحول الحالات الإنسانية إلى مآسٍ تطفو على سطح الطرقات والمنازل المهجورة. النيابة العامة فتحت تحقيقاً شاملاً في حادثة الجثة الأخيرة ، لكن التحقيق وحده لا يكفي في منطقةٍ تئن تحت وطأة الإهمال المتراكم. فهل تكون هذه الجثث المتكررة ناقوس خطرٍ يدفع إلى معالجة جذرية لأزمات التنمية والرعاية الصحية النفسية في المنطقة؟ سؤال ينتظر الإجابة، بينما يترقب سكان تارودانت فصلًا جديدًا من فصول المعاناة، أو بصيص أملٍ يلوح في الأفق.