مواطم نيوز //
في خضم حقل اقتصادي عالمي ملغوم بعدم اليقين، يتقدم قطار مشروع قانون المالية لسنة 2026 بحذر شديد. عوامل متشابكة تُرهن مساره: توترات جيوسياسية مستمرة، وحروب تجارية متصاعدة، وسياسات اقتصادية مجزأة، وضغوط خانقة على المديونية العالمية. صندوق النقد الدولي يُنذر بتباطؤ النمو العالمي إلى 2.8% عام 2025، مقابل 3.3% في 2024، مع تراجع كبير في اقتصادات مثل منطقة اليورو (0.8%) والولايات المتحدة (1.8%). هذا الوضع ينعكس سلباً على التجارة والاستثمار، ويُهدد الاقتصادات الناشئة، ومنها المغرب.
وسط هذه العواصف، قدّمت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح عرضاً أمام البرلمان لمشروع ميزانية 2026، كاشفةً عن “تفاؤل حذر” يتوقع نمواً محلياً بـ4.5% خلال 2025 و2026. هذا الرقم يرتكز على انتعاش متوقع في الأنشطة غير الفلاحية (4%) والقطاع الفلاحي (7.9% شريطة تحقيق إنتاج حبوب بـ70 مليون قنطار). لكن المحلل المالي محمد عادل إيشو يُحذّر: هذا النمو لا يكفي لامتصاص البطالة أو تحقيق تحول هيكلي، إذ يحتاج الاقتصاد إلى 7% نمو سنوياً لسد الفجوات التنموية.
تسعى الحكومة إلى خفض عجز الميزانية من 3.5% عام 2024 إلى 3% في 2025، وتقليل الدين العام من 67.7% إلى 64%. هذه الأهداف تستند إلى فرضيات هشة: استقرار التضخم عند 2%، وسعر نفط عند 65 دولاراً للبرميل، وغاز البوتان عند 500 دولار للطن. لكن إيشو يشير إلى مخاطر مسار التصحيح المالي، خاصة مع الالتزامات الضخمة مثل تنظيم كأس العالم 2030 وتعميم الحماية الاجتماعية. تقلبات أسعار السلع الأساسية (السكر، الغاز، القمح) تزيد الضغط، وإجراءات تقليص دعم صندوق المقاصة قد تحمل مخاطر اجتماعية إن لم تُرافق ببدائل للفئات الهشة.
على الأرض، تواجه المؤشرات تحديات جسيمة: تراجع المساحات المزروعة بالحبوب 23% في مارس 2025، مما دفع لخفض توقعات النمو الفلاحي من 5.1% إلى 4.1%. العجز التجاري قفز إلى 133 مليار درهم بنهاية مايو 2025، وانخفضت نسبة تغطية الواردات بالصادرات إلى 59.9%. ورغم خلق 82 ألف منصب عمل جديد في 2025، ظل معدل البطالة الحضرية مرتفعاً عند 13.3%. في المقابل، يرى المحلل إدريس العيساوي بارقة أمل في “البرمجة الميزانياتية الثلاثية” (2026-2028)، مع إشارات إيجابية في قطاعات إنتاجية غير فلاحية، ودينامية متوقعة بسبب استضافة كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.
ختاماً، يمثل مشروع الميزانية رهاناً على توازن دقيق بين التحفيز الاقتصادي والتماسك الاجتماعي من جهة، وضبط الإنفاق ومواجهة مخاطر الدين العام من جهة أخرى. التوصية المركزية: تبني مسار تدريجي لخفض العجز مع إبقاء هامش مالي لامتصاص الصدمات، وإعادة هيكلة الإنفاق عبر أولويات واضحة، وضخ استثمارات مبتكرة، كل ذلك دون إغفال العدالة الاجتماعية في عالمٍ يتغير بسرعة.