ألنيف تحتفي بعرسها الجماعي العشرين.. موروث يتجدد وقلوب تتلاقى

مواطن نيوز//


لم تكن ساحة “إنرارن” في جماعة ألنيف النائية بإقليم تنغير مجرد مكانٍ لعقد الأعراس هذا العام، بل تحولت إلى لوحةٍ حية تروي قصة إصرار مجتمعي على إحياء تراث الأجداد. للمرة العشرين على التوالي، تجدد ساكنة المنطقة احتفالها بـ الأعراس الجماعية، تقليدٌ ضاربٌ في القدم ينسج خيوط التضامن ويحفظ ذاكرة المكان، تحت إشراف جمعية بوكافر للتنمية التي تنسق جهودها مع السلطات المحلية لضمان نجاح هذا الموروث الثقافي الثمين .

هذا العام، حمل الاحتفال مفاجأة سارة للمنظمين؛ فالحضور فاق كل التوقعات، خاصةً من الزوار القادمين من خارج البلدة، حتى كاد يطغى على الطاقة الاستيعابية لساحة القصر التاريخية “إغرم ن ألنيف”. يقول يوسف بنعمر، عضو اللجنة التنظيمية: “لولا تعاون السلطات الأمنية من درك وقوات مساعدة لكان التدبير صعباً على لجنتنا وحدها”. ورغم التحديات، احتفلت ألنيف بـ 20 عريساً و20 عروساً في أجواء امتدت لثلاثة أيام متتالية، تخللتها ليلة “أحيدوس” الفنية التي استقطبت فرقاً من عمق المنطقة، وسهرة فكرية أغلقت أمسية الأربعاء .

تتنفس طقوس العرس الجماعي روح التاريخ منذ لحظتها الأولى: يبدأ الاحتفال بـ “أسوغس“، حيث تصل العرائس في الصباح الباكر من مختلف النواحي، لتنقلهم جمعية بوكافر في حافلة مكيفة – حلّت مكان البغال قديماً – إلى “الخيمة”. هناك يخضع “الوزراء” (مرافقي العرائس) لامتحانات طريفة أمام لجنة متخصصة، قبل أن ينسحب الجميع ليعاودوا اللقاء مع المغيب. عندها تدخل العرائس وسط مراسيم “تغمي نْسْلان” (تحنية العرسان) بحضور أمهاتهم، بينما تكتسي الساحة بألوان “أحيدوس” وحركاته الإيقاعية التي تحول المكان إلى فراشٍ من الفن الأصيل .

تتوج الأيام الثلاثة بيوم “أسوفخ“، وهو اللحظة الأكثر شاعرية حيث تُكشف وجوه العرائس لأول مرة أمام الملأ. هنا تتحول الساحة إلى مشهدٍ درامي؛ فالعروس ترمي “أمزيد” (اللوز) في نافورة صغيرة ترمز لعيون الماء التقليدية، بينما يصطف العرسان بعصيّ مزينة، ليملئوا سُطلاً من الماء ويُفرغوه في حوضٍ محاط بأشجار النخيل، في طقسٍ يعيد تمثيل حياة القرية الزراعية وخصوبتها .

وراء هذه الألوان والحركات، يكمن عمقٌ إنساني يجسده بنعمر: “هدفنا الأول هو الحفاظ على الموروث الثقافي اللامادي الذي تزوج عليه آباؤنا ونريد أن تعرفه الأجيال القادمة”. لكن الأهم هو بعد التضامن الاجتماعي الذي يجسده العرس؛ فالمهندس والعامل البسيط يلتقيان بنفس اللباس ونفس المراسيم، متحررين من أعباء التكاليف الباهظة والتنافس على استقبال الضيوف. فالعرس الجماعي – كما يوضح – “ينشر الفرح ويخفف الأعباء، بل وينعش اقتصاد المنطقة عبر جذب السياح الذين يتدفقون سنوياً لمشاهدة هذا الاحتفال الفريد، لتنشط حركة التجارة والفنادق خلال أيامه الأربعة” .

هكذا تتحول ألنيف كل عام إلى خلية نحلٍ ثقافية، لا تكتفي بحفظ تراثٍ شفوي من الاندثار، بل تصوغ منه جسراً بين الماضي والحاضر، وبين أبناء القبائل المختلفة الذين يذوبون في بوتقة الفرح المشترك. إنه احتفالٌ يثبت أن الجمال الحقيقي للتراث لا يكمن في تفاصيل طقوسه فقط، بل في قدرته على خلق مجتمعٍ متسامحٍ ومتضامن، يحمل ذاكرة الأجداد كشعلة تنير طريق الأبناء .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *