مواطن نيوز //
بينما تُوجَّه الأنظار والاستعدادات نحو البنى التحتية والاستثمارات استعداداً لاستضافة كأس العالم 2030، يطفو سؤال جوهري: هل هذه هي الأولوية الوحيدة؟ أم أن التحدي الحقيقي قد يكمن في مكان آخر، في سلوكياتنا اليومية، وفي قدرتنا كمواطنين على تجسيد قيم الاحترام والمسؤولية والعيش المشترك؟
تؤكد سلسلة الأحكام القضائية الأخيرة في الدار البيضاء أن السلطات المغربية لم تعد تتهاون مع أي عرقلة لسير المرافق العامة، خاصة النقل الحضري. في خطوة اعتُبرت رادعة، حُكم على شخص في 1 مايو 2025 بالسجن 18 شهراً نافذاً وبدفع 20 ألف درهم كتعويضات لشركة تشغيل شبكة الترامواي، بعد أن تسبب عمداً في إيقاف الخدمة. وأشادت كل من “كازا ترانسپورت” و”آر إيه تي پي دف الدار البيضاء” بهذا الحكم الذي يبعث برسالة قوية.
ولم تكن هذه الحادثة معزولة. ففي اليوم السابق (14 يوليو 2025)، قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بسجن بائع تذاكر غير مرخص 3 أشهر نافذة مع غرامة 10 آلاف درهم. هذا التوجه القضائي الصارم ليس وليد اللحظة؛ ففي فبراير 2024، حُكم على شخص آخر بنفس العقوبة (18 شهر سجن و10 آلاف درهم غرامة) لتورطه في أفعال مماثلة. وزادت العقوبة في حادثة تخريب حافلة من خط “باصواي” في يونيو 2024 لتصل إلى 18 شهر سجن مع غرامة ثقيلة بلغت 50 ألف درهم.
حتى أعمال التخريب البسيطة لم تسلم من العقاب. فحتى تدمير أجهزة بيع التذاكر الآلية أدى إلى إدانة قاصر بدفع 15 ألف درهم كتعويضات، بينما حكم على شخص بالغ في قضية مشابهة بالسجن 6 أشهر نافذة مع نفس المبلغ.
تشير الأرقام إلى تصاعد ملحوظ في المتابعات القضائية منذ بداية 2024، حيث تم توقيف أكثر من ثلاثين شخصاً في إطار قضايا التخريب أو البيع غير القانوني للتذاكر أو الاعتداء على الموظفين أو عرقلة سير المرفق العام. وصدرت إلى الآن أكثر من عشرين حكماً قضائياً في هذا الصدد، مما يعكس إرادة مشتركة لردع مثل هذه السلوكيات وحماية أمن المستعملين وضمان موثوقية الشبكة.
في هذا السياق، تؤكد شركتا “كازا ترانسپورت”، المسؤولة عن مشاريع الترامواي والباصواي، و”آر إيه تي پي دف الدار البيضاء”، المشغلة للشبكة، التزامهما المستمر بتقديم خدمة عمومية ذات جودة. وتشيد الشركتان بتضافر جهود السلطات القضائية والأمنية والإدارية، جميعها تعمل لضمان بيئة نقل موثوقة وآمنة ومطمئنة.
إن سياسة “الصفر تسامح” التي تنتهجها الدار البيضاء تجاه أي اعتداء على المرفق العام للنقل تُرسل رسالة واضحة: وسائل النقل المشترك ليست فضاءً بلا قانون، بل هي مكسب جماعي يتطلب حماية الجميع. وقبل أن نستضيف العالم في 2030، يبدو أن تعزيز الوعي المدني والسلوك الحضاري هو الاستعداد الأكثر إلحاحاً.