مواطم نيوز//
لم يعد التين الشوكي – أو “الهندية” كما يعرفها المغاربة – ذلك الرمز المتواضع للوفرة والبساطة الذي كان يملأ الأزقة والأسواق ويُهدى بسخاء من حقول الفلاحين. اليوم، تحولت هذه الفاكهة إلى سلعة نادرة تخطفها الأثمان الباهظة من أيدي غالبية المواطنين. ففي سوق الجملة بإنزكان، ارتفع سعر الصندوق الواحد إلى ما بين 600 و1000 درهم، فيما تُباع الحبة الواحدة بعشرة دراهم، وهو سعر يُقصي حتى الطبقة المتوسطة، ناهيك عن الفئات الهشة.
هذا التحول الكارثي لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة تراكمية لسنوات من السياسات الفلاحية التي قادها عزيز أخنوش، بدءاً من توليه وزارة الفلاحة لأكثر من 13 عاماً، وصولاً إلى رئاسة الحكومة بعد انتخابات 2021. فبدلاً من تعزيز الأمن الغذائي وحماية الفلاحة المحلية المستدامة، اتجهت هذه السياسات لخدمة مصالح لوبيات التصدير والفلاحين الكبار، بينما تُرك صغار المزارعين يواجهون مصيرهم وحدهم: جفافاً، وحشرات فتاكة، وإهمالاً رسمياً.
وكان التين الشوكي أحد أبرز ضحايا هذا المنحى. فقد أهلكت الحشرة القرمزية آلاف الهكتارات من حقول الصبار، خاصة تلك المملوكة للفلاحين التقليديين. ورغم الوعود الرسمية المتكررة ببرامج المكافحة والدعم، ظلت التدخلات هزيلة، مما أدى إلى اندثار شبه كامل لهذه الزراعات التقليدية. وفي المقابل، نشأت ضيعات حديثة مسيجة، مملوكة لشركات كبرى، تستخدم تقنيات كالبيوت البلاستيكية، موجهة بالكامل نحو التصدير، دون اعتبار لحاجة السوق المحلي أو قدرة المستهلك المغربي.
هذا المشهد يطرح سؤالاً جوهرياً عن جوهر “المخطط الأخضر” الذي روج له أخنوش لسنوات: هل كان درعاً واقياً للثروة الفلاحية المغربية؟ أم آلية لتسليعها، وتحويلها إلى سلعة للربح السريع، تستثمر فيها النخب على حساب الفئات الشعبية؟ الإجابة تكشفها أرفف الأسواق الفارغة وأسعار التين الشوكي الفلكية: الفاكهة التي كانت في متناول الجميع، صارت اليوم طعاماً للقلة القادرة. إنها شهادة صارخة على نموذج فلاحي يفتقد للعدالة، ويغيب عنه المواطن البسيط.